فصل: يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **


 يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل

من حضرة ساري عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم الأمان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك أمر أهل دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لأجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد إتقانه وتحصينه وفي هذه الواقعة قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم إلا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق أمينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة وأموالًا غزيرة وأخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا أمتعة غالية ثمينة ووجدوا في القلعة أكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله أن آلات الحرب لا تنفع فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على أحكام الله وعليكم بتقوى الله واعلموا أن الملك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل يتيقنون استحالة ذلك خصوصًا ف المدة القليلة ولكن المقضي كائن‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشره شق جماعة من أتباع الشرطة في الأسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق الفرنسيس ويقولون لهم‏:‏ من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام في ذلك فإن ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم أنه إن بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم‏.‏

وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس الى برج الحمل وهو أول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكًا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار الخلاعة نساء ورجالًا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجًا وشموعًا وغير ذلك وأظهر الأقباط والشوام مزيد الفرح والسرور‏.‏

وفي يوم السبت المذكور أرسلوا الأعلام والبيارق التي أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع الأزهر وكانوا أنزلوا أعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من أعلى المنارات وأرسلوا بدلها أعلام يافا وعملوا لها موكبًا بطائفة من العسكر يقدمهم طبلهم وخلفهم الآغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبرو الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون عليه بإزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على أكتافهم كالطائفة الأولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الأعلام الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الأزهر رتبوا تلك الأعلام ووضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الآخر من الجهة الأخرى عند حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية ولم يصعدوا منها على المنارات كما صنعوا في أعلام العريش‏.‏

وفي يوم الأحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق مبصومة وألصقوها بالأسواق إحداها بسبب مرض الطاعون وأخرى بسبب الضيوف الأغراب ومضمون الأولى بتقاسيمه ومقالاته خطابًا لأهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها‏:‏ إنكم تمتثلون هذه الأوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد الانتقام والعقاب الأليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو ظننتم أو توهمتم أو شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع يلزمهم ويتحتم عليكم أن تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة أو السوق الذي فيه ذلك أن يخبر حالًا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط والقلق يخبر شيخ البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورًا‏.‏

وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها وجوانبها والأطباء إذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام ويخبره ليأمره بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار الأخطاط أو مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام ويجازى مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم أيضًا من أصابه هذا التشويش أو حصل في بيته لغيره من عائلته أو عشيرته وانتقل من بيته الى آخر أن يكون قصاصه الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط إذا لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه أو بمن مات بها أيضًا حالًا فوريًا كان عقاب ذلك الرئيس وقصاصه الموت والمغسل إن كان رجلًا أو امرأة إذا رأى الميت أنه مات بالكبة أوشك في موته ولم يخبر قبل مضي أربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصه الموت وهذه الأوامر الضرورية بلزوم أغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والإسلامية تنبيه الرعية واستيقاظهم لها فإنها أمور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد الانتقام من قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لأجل الصيانة والحفظ لأهل البلد والحذر من المخالفة والسلام‏.‏

ومضمون الثانية‏:‏ الخطاب السابق من ساري عسكر دوجا الوكيل وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان أنهم يشهرون الأوامر وينتبهوا لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو أنه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة أو وكالة أو بيت الذي يدخل في محله ضيف أو مسافر أو قادم من بلدة أو إقليم أن يعرف عنه حالًا حاكم البلد ولا يتأخر عن الإخبار إلا مدة أربعة وعشرين ساعة يعرفه عن مكانه الذي قدمه منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة أو ضيفًا أو تاجرًا أو زائرًا أو غريمًا مخاصمًا لابد لصاحب المكان من إيضاح البيان والحذر ثم الحذر من التلبيس والخيانة وإذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الأربعة وعشرين ساعة بإظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديًا ومذنبًا وخائنًا وموالسًا مع المماليك‏.‏

ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل أن تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالًا فرانسة في المرة الأولى وأما في المرة الثانية فإن الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم أن الأمر بهذه الأحكام مشترك بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل والسلام‏.‏

وفيه اجتمعوا بالديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا الباشا المولى أمير الحاج وهو أنه لما ارتحل مع ساري عسكر وصحبته القاضي والمشايخ الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى الصالحية ثم أنهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما وصل ساري عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم ساري عسكر ثم أن الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الأمر ففارقوهم وذهبوا الى القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى كفور نجم وأقاموا هناك أيامًا واتفق أن الصاوي أرسل الى داره مكتوبًا وذكر في ضمنه أن سبب افتراقهم من الجماعة أنهم رأوا من كتخدا الباشا أمورًا غير لائقة‏.‏

فلما حضر ذلك المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الأمور اللائقة فأولها بعض المشايخ أنه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص‏.‏

فظهر لهم خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة وأكرمهم وخلع عليهم وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الأموال وحين كانوا على البحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهرًا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانًا بإعلام ساري عسكرهم بذلك‏.‏

فرجع إليهم بالجواب يأمرهم فيه بأن يرسلوا له عسكرًا ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرًا وأرسلوا الى داره جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرًا على الكسوة وعلى ابن أخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما تركه مخدومه بكر باشا بقائمة وأودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب أمتعة الباشا وبرقه وملابسه وعبي الخيل والسروج وغيرها شيئًا كثيرًا‏.‏

وجدوا بعض خيول وجمال أخذوها أيضًا فانقبض خواطر الناس لذلك فإنهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم أرسلوا أمانًا للمشايخ والوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن السيد عمر أفندي نقيب الأشراف حضر الى دمياط وصحبته جماعة من أفندية الروزنامة الفارين مثل عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب الشهر ومحمد أفندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك أنهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا للمصريين وطلبهم إليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر‏.‏

وفي يوم الاثنين نادوا في الأسواق على المماليك والغز والأجناد الأغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم أورقًا بعد معرفتهم والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستأهل الذي يجري عليه وسبب ذلك إشاعة دخول الكثير منهم الى مصر خفية وفي يوم الثلاثاء نادوا في الأسواق والشوارع بأن من أراد الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد أن عملوا مشورة في ذلك‏.‏

وفيه حضر إمام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وأنه مستمر على مودته ومحبته معهم ويطلب منهم الإجازة بالحضور الى مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فإن الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب‏:‏ وإن بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرئ كتابه بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا إليه وقالوا إن خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابًا وأرسلوه صحبة إمامه مضمونه إن كان صادقًا في مقالته فليذهب الى جهة ساري عسكر بالشام وأمهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب إليه وإن تأخر زيادة عليها كان كاذبًا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه‏.‏

وفيه كتبوا أوراقًا ونادوا بها في الشوارع وهي‏:‏ يا أهل مصر نخبركم أن أمير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وأن أهل مصر علماء ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الأمر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ أهل مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من أهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم أن تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين‏.‏

وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما خلا القاضي فإنه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من الحوادث التي منها أن الفرنساوية عملوا جسرًا من مراكب مصطفة وعليها أخشاب مسمرة من بر مصر بالقرب من قصر العيني الى الروضة قريبًا من موضع طاحون الهواء تسير عليه الناس بدوابهم وأنفسهم الى البر الآخر وعملوا كذلك جسرًا عظيمًا من الروضة الى الجيزة‏.‏

ومنها أن توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفةفضل الدائر لنصف النهار على البلاط المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة بثقب عديدة في أعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرًا شهرًا وعلى كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم أيضًا مزولة بالحائط الأعلى على حوش المكان الأسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وأمثال ذلك لأجل تحقيق أوقات العبادة وهم لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم أيضًا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله أقل من قامة قايم بوسط الجنينة وشاخصها مثلث من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرًا في النحاس وفيها تنازيل الفضة على طريقة أوضاع العجم وغير ذلك‏.‏

ومنها أنهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على أتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرًا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة إتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب أحد العدول بالمحكمة فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك وأظهروا أيضًا الاهتمام بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الإرسالية الخاصة‏.‏

واستهل شهر القعدة بيوم الأحد سنة 1213 في سادسه يوم الجمعة حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها أنهم أخذوا حيفا وبعدها ركبوا على عكا وضربوا عليها وهدموا جانبًا من سورها وأنهم بعد أربعة وعشرين ساعة يملكونها وأنهم استعجلوا في إرسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل لأصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة أيام نحضر عندكم بسلام‏.‏

وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر لغطهم وتقولوا بأنهم عشرون ألفًا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فأذنوا لهم في تعدية بعض أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى إليهم أنهم قدموا لمحاربهتم والجهاد فيهم وأنهم اشتروا خيلًا وسلاحًا وقصدهم إثارة فتنة فأرسل الفرنسيس إليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا إليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن الذي نقل عنهم فقالوا‏:‏ إنما جئنا بقصد الحج لا لغيره‏.‏

ثم رجعوا وصحبتهم كبير المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال‏:‏ إنا لم نأت إلا بقصد الحج فقيل له ولأي شيء تشترون الأسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له إنه نقل عنكم أنكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد أفضل من الحج فقال هذا كلام لا أصل له فقيل له إن الناقل لذلك رجل منكم فقال إن هذا الرجل حرامي أمسكناه بالسرقة وضربناه فحمله الحقد على ذلك وإن هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها ولا يصح أن نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا إلا نصف قنطار بارود ثم اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدى جماعته ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا أن الفرنسيس خرجت لقتال المغاربة فأغلقوا غالب الأسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس الى العادلية وهم يضربون الطبول وأمامهم مدفع وخلفهم مدفع مع جملة من العساكر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى عرب الجزيرة فإن مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب إليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك العساكر‏.‏

وفي يوم الأربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الأرمني الذي كان رئيس مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية‏.‏

وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيًا فأعطوه الأمان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية وصحبته أموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها‏.‏

وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الألفي‏.‏

وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل إنه ذهب الى الشام‏.‏

وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابًا للمشايخ بالشام ويرجون الإفراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الأمتعة التي أخذوها فإنها من متعلقات الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الإفراج عن المذكورين حتى نتحقق أنه ذهب الى ساري عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فإنه من الجائز أنه يكذب في قوله‏.‏

وفيه ثبت أن محمد بك الألفي مر من خلف الجبل وذهب الى عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من الغز والمماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارًا قرئ بالديوان وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالأسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب انقطاع الأخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والأشراف الذين معه وغير ذلك‏.‏

وصورتها‏:‏ من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من حضرة ساري عسكر الكبير خطابًا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه تاسع القعدة سنة تاريخه‏.‏

يخبر فيه أننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الأولى أرسلنا في خمسة وعشرين شوالًا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا إرسال جانب جلل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لأجل زيادة المحافظة والصيانة وأما من قبل العرضي فإن الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب والخيرات غزيرة حتى أنها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الأعداء فكأن أعداءنا أعانونا ونخبركم أننا عملنا لغمًا مقدار عمقه ثلاثون قدمًا وسرنا به حتى قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدمًا وقد قربت عساكرنا من الجهة التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية وأربعون قدمًا بمشيئة الله تعالى عند وصول كتابنا إليكم وقبل إتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا أجمعين فإننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب وأما بقية إقليم الشام وما يلي عكا من البلاد فإنهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل خير عظيم ويحضرون لنا أفواجًا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم أيضًا أن الجنرال بونوت انتصر على أربعة آلاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة فقابلهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة المذكورة وأوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب أن ثلثمائة نفس تهزم نحو أربعة آلاف نفس فعلمنا أن النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا آخر كتاب ساري عسكر الكبير الى وكيله بدمياط وأرسل إلينا بالديوان حضرة الوكيل ساري عسكر دوجا الوكيل بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا أننا نلزم الرعايا من أهل مصر والأرياف أن يلزموا الأدب والإنصاف ويتركوا الكذب والخراف فإن كلام الحشاشين يوقع الضرر للناس المعتبرين فإن حضرة ساري عسكر دوجا الوكيل بلغه أن أهل مصر وأهل الأرياف يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الأشراف والحال أن الأشراف الذين يذكرونهم ويكذبون عليهم جاءت أخبارهم من حضرة ساري عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بأن الأشراف المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن الآن في بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل الأرياف اتركوا الأمور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا أدبكم قبل أن يحل بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والأولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وأن يترك الكذب وأن يسلم لأحكام الله وقضاه فإن العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب هذا شأن أهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون بإصلاح الأحوال ويرجعون الى الكبير المتعال والسلام‏.‏

وفي هذا الشهر كتبوا أوراقًا بأوامر ونصها‏:‏ من محفل الديوان العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة إننا قد تأملنا وميزنا أن الواسطة الأقرب والأيمن لتلطيف أو لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع النساء المشهورات لأنهن الواسطة الأولى للتشويش المذكور فلأجل ذلك حتمنا ورتبنا ومنعنا الى مدة ثلاثين يومًا من تاريخه أعلاه لجميع الناس إن كان فرنساويًا أو مسلمًا أو روميًا أو نصرانيًا أو يهوديًا من أي ملة كان كل من أدخل الى مصر أو بولاق أو مصر القديمة النساء المشهورات إن كان في بيوت العسكر أو من كان داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر إن دخلن من أنفسهن أيضًا يقاصصن بالموت‏.‏

من حوادث هذا الشهر أنه حضر الى القلزم مركبان انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس الى مصر وأخبروا بذلك أنهم صادفوا بعض داوات تحمل البن والتجارة فحجزوها ومنعوها من الدخول الى السويس‏.‏

ومنها أن طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد والزروعات‏.‏

ومنها أن الكيلاني المذكور آنفًا توفي الى رحمة الله تعالى وتفرقت طائفته في البلاد حتى أنه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم أهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم‏.‏

ومنها أنه حضر الى مصر الأكثر من عسكر الفرنسيس الذين كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي من بلاد الصعيد مشهورة وكان أهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في أنفسهم الكثرة والقوة والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلًا عاليًا وضربوا عليهم بالمدافع فأتلفوهم وأحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا شيئًا كثيرًا وأموالًا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير أهل البلاد القبلية لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون‏.‏

في ثانيه خرج نحو الألف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الألفي وكذلك تجمع الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب أنه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرًا فكان يكاتب أهل البلاد ويدعوهم الى الجهاد فاجتمع عليه أهل البحيرة وغيرهم وحضروا الى دمنهور وقاتلوا من بها من الفرنساوية واستمر أيامًا كثيرة تجتمع عليه أهل تلك النواحي وتفترق والمغربي المذكور تارة يغرب وتارة يشرق‏.‏

وفيه أشيع أن الألفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة‏.‏

وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة بالعادلية وفيهم مجاريح وأخبر عنهم بعضهم أن الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد باشا بعكا وأن مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا لموته لأن كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال وإقدام عن المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الأبنية وكيفية وضعها وكيفية أخذ القلاع ومحاصرتها‏.‏

وفي يوم الأربعاء كان عيد النحر وكان حقه يوم الخميس وعند الغروب من تلك الليلة ضربوا مدافع من القلعة أعلامًا بالعيد وكذلك عند الشروق ولم يقع في ذلك العيد أضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجزوة في الكرنتيلة في شغل عن ذلك‏.‏

ومن الحوادث في ذلك اليوم أن رجلًا روميًا من باعة الرقيق عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدًا بسلاح ومتزييًا بمثل ملابس القليونجية فقال له من أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك لم يستمع له ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد ذلك فوجد عند سيده ضيفًا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج وأغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى أسفل الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول‏:‏ الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة أشخاص من الفرنسيس فقتل منهم شخصًا وهرب الإثنان ورجع على إثره والناس يعدون خلفه من بعد الى أن وصل الى درب بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونًا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة من القلق يسألون عن ذلك المملوك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر وأخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في فعله ذلك‏.‏

فقال إنه يوم الأضحية فأحببت أن أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال إنه سلاحي فجسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض جماعة من أهل الخان ثم أطلقوهم بدون شرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر الآغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئًا وأرادوا فتح الحواصل فمنعهم السيد أحمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة أنفار وحبسوهم أيضًا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن أطلقوهم بعد أيام عديدة من الحادثة‏.‏